فصل: اللغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الحج: الآيات 5- 7]:

{يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نشاء إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأرض هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الماء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شيء قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)}.

.اللغة:

{النطفة}: ماء الرجل أو المرأة والجمع نطاف ونطف وهو ما يعرف بالمني كفني والمني كإلي والمنية كرمية ويجمع على مني كقفل. ومنى وأمنى ومنّى بمعنى واحد. والنطفة أيضا الماء الصافي قل أو كثر وسيأتي المزيد من الكلام عنه.
{عَلَقَةٍ}: العلقة: هي الدم الجامد وهو المراد هنا والذي يعلق باليد وكل ما يعلّق وما تتبلّغ به الماشية من الشجر ودويبة سوداء تمتص الدم والجمع علق.
{مُضْغَةٍ}: لحمة قدر ما يمضغ.
{مُخَلَّقَةٍ}: المخلقة المسواة الملساء من النقصان والعيب يقال خلق السواك والعود إذا سواه وملسه من قولهم صخرة خلقاء كأن اللّه تعالى يخلق المضغ متفاوتة متباينة منها ما هو كامل الخلقة أملس من العيوب ومنها ما هو على عكس ذلك وعلى حسب ذلك التفاوت تتفاوت المخلوقات في الصور والخلق.
{طِفْلًا}: الطفل بكسر الطاء يطلق على الولد من حين الانفصال إلى حين البلوغ وأما الطفل بالفتح فهو الناعم والمرأة طفلة وأما الطفل بفتح الطاء والفاء فهو وقت ما بعد العصر من قولهم طفلت الشمس إذا مالت للغروب وأطفلت المرأة أي صارت ذات طفل وفي المختار: الطفل يستعمل مفردا وجمعا وفي الحديث سئل صلى الله عليه وسلم عن أطفال المشركين. وقال في الأساس واللسان ما خلاصته: هو طفل بين الطفولة، وفعل ذلك في طفولته وامرأة وظبية مطفل وطفّلت ولدها:
رشحته. قال الأخطل يصف سحابا:
إذا زعزعته الريح جرّ ذيولها ** كما زحفت عوذ ثقال تطفّل

وامرأة طفلة، وطفلة الأنامل: ناعمة وبنان طفل ناعمة.
قال ذو الرمة:
أسيلة مستنّ الوشاحين قانىء ** بأطرافها الحناء في سبط طفل

وقد طفل طفولة وطفالة وآتيه في طفل الغداة وطفل العشي وهو بعيد طلوع الشمس وقبيل غروبها قال:
باكرتها طفل الغداة بغارة ** والمبتغون خطار ذاك قليل

وقال لبيد:
فتدليت عليه قافلا ** وعلى الأرض غيابات الطّفل

وطفّلت الشمس إذا دنت للغروب وطفّل الليل أقبل وأظلّ وطفّل علينا وتطفّل وهو طفيلي وتقول: ما زال يطفّل على الناس، حتى نسخ طفيل الأعراس وهو رجل من الكوفة نسب إليه التطفيل.
{أشده}: تقدم بحثه ونقول هنا: الأشد كمال القول والعقل والتمييز وهو من ألفاظ الجمع التي لم يستعمل لها واحد وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين.
{هامِدَةً}: الهمود السكون والخشوع وهمدت الأرض يبست ودرست وهمد الثوب بلي.
{اهْتَزَّتْ}: تحركت وتجوز به هنا عن إنبات الأرض نباتها بالماء.
{رَبَتْ}: زادت وارتفعت من ربا يربو.

.الإعراب:

{يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ}.
{يا أيها الناس} تقدم إعرابها و{إن} شرطية و{كنتم} فعل ماض ناقص فعل الشرط والتاء اسمها و{في ريب} خبرها و{من البعث} متعلقان بمحذوف صفة لريب {فإنا} الفاء رابطة وان واسمها وجملة {خلقناكم} خبرها و{من تراب} متعلقان بخلقناكم وانما ساغ وقوع قوله: {فانا خلقناكم} جوابا على تأويل فمزيل ريبكم أن تنظروا في بدء خلقكم.
{ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} عطف بثم للدلالة على وجود تراخ في تطور الخلق وتدرجه من حال إلى حال وقوله: {مخلقة} صفة لمضغة و{غير مخلقة} عطف على {مخلقة} والمراد تفصيل حال المضغة وكونها أولا قطعة لم يظهر فيها من الأعضاء شيء ثم ظهرت بعد ذلك شيئا فشيئا.
{لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نشاء إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} {لنبين} اللام للتعليل ونبين مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل واللام مع مدخولها متعلقة بخلقناكم أو اللام للصيرورة والعاقبة أي أن أفعاله هذه يتبين بها من قدرته وعلمه مالا يمكن اكتناهه أو الإحاطة به ولذلك حذف مفعول نبين، وذلك للاستدلال بهذه القدرة على ان من قدر على بدء الخلق قادر على إعادته فلا مجال للإنكار ولا مساغ للتشكك، {ونقر} الواو استئنافية و{نقر} فعل مضارع مرفوع وفاعله مستتر تقديره نحن و{في الأرحام} متعلقان بنقر و{ما} مفعول به وجملة {نشاء} صلة و{الى أجل مسمى} متعلقان بمحذوف حال وانما استأنف لأنه ليس المعنى خلقناكم لنقر، و{مسمى} صفة لأجل حرف أي ممتد الوقت خروجه.
{ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ} {ثم} حرف عطف وتراخ أيضا ون {خرجكم} عطف على {نقر} وفاعل {نخرجكم} ضمير مستتر تقديره نحن والكاف مفعول به و{طفلا} حال من مفعول {نخرجكم} {ثم لتبلغوا} لابد من تقدير فعل وهو {نعمركم} {ولتبلغوا} اللام للتعليل أو الصيرورة وتبلغوا منصوب بأن مضمرة بعد اللام والواو فاعل و{أشدكم} مفعول به.
{وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} الواو عاطفة و{منكم} خبر مقدم و{من} مبتدأ مؤخر وجملة {يتوفى} صلة و{منكم} خبر مقدم و{من} مبتدأ مؤخر وجملة {يرد} صلة و{الى أرذل العمر} متعلقان بيرد، ونسب إلى علي بن أبي طالب قوله: {أرذل العمر} خمس وسبعون سنة وقيل ثمانون، وقال قتادة تسعون والصواب انه الهرم والخرف ووصول الإنسان إلى مرحلة الاعياء والوهن أو يرتد إلى مرحلة الطفولة ضعيف البنية والعقل، بليد الفهم.
{لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} {لكيلا} متعلقان بيرد و{يعلم} منصوب بأن مضمرة بعد اللام وكي مصدرية و{من بعد علم} متعلقان بمحذوف حال لأن علم بمعنى عرف و{شيئا} مفعول به ليعلم. {وَتَرَى الأرض هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الماء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} وهذه الجملة مستأنفة مسوقة لتقرير الدليل الثاني لأن الدليل الأول منه ما هو مرئي مشاهد ومنه ما ليس كذلك فعبر عنه بالخلق أما هذا الدليل فهو داخل في حيز النظر ومندرج في سلك المرئيات فلذلك عبر عنه بقوله: {وترى} و{الأرض} مفعول به و{هامدة} حال من {الأرض} {فإذا} الفاء عاطفة وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة {أنزلنا} مضافة إلى الظرف و{عليها} متعلقان بأنزلنا و{الماء} مفعول به وجملة {اهتزت} لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم {وربت} عطف على {اهتزت} وكذلك قوله: {وأنبتت} و{من كل زوج} صفة لمفعول به محذوف أي أشياء وأصنافا كائنة من كل صنف وبهيج صفة لزوج.
{ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شيء قَدِيرٌ} {ذلك} مبتدأ و{بأن اللّه} خبر وقيل {ذلك} خبر لمبتدأ محذوف أي الأمر ذلك وعندئذ تكون الباء مع مدخولها في محل نصب على الحال وان واسمها وهو ضمير فصل أو مبتدأ و{الحق} خبر ان أو خبر هو والمبتدأ الثاني وخبره خبر ان {وأنه} عطف على {بأن} وان واسمها وجملة {يحيي الموتى} خبرها {وانه على كل شيء قدير} عطف أيضا ولا بأس هنا بأن نورد ملاحظة لأبي حيان خلاصتها أن الباء ليست للسببية وانما هي متعلقة بمحذوف تقديره شاهد بأن وهو ينطبق على ما ذكرنا من الوجهين المتقدمين.
{وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها} {وان الساعة} خبر لمبتدأ محذوف أي والأمر أن الساعة، وان واسمها و{آتية} خبرها و{لا} نافية للجنس و{ريب} اسمها و{فيها} خبرها والجملة حالية أو خبر ثان لأن. {وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} عطف على ما تقدم وان واسمها وجملة {يبعث} خبرها ومن مفعول به و{في القبور} متعلقان بمحذوف صلة من.

.البلاغة:

في قوله تعالى: {وَتَرَى الأرض هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الماء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} فنون لا يكاد يتسع لها صدر هذا الكتاب وسنحاول تلخيصها جهد المستطاع فأول ما فيها:
1- ائتلاف الطباق والتكافؤ:
لمجيء أحد الضدين أو أحد المتقابلين حقيقة والآخر مجازا فهمود الأرض واهتزازها ضدان لأن الهمود سكون فالاهتزاز هنا حركة خاصة وهما مجازان والربو والإنبات ضدان وهما حقيقتان وإنما قلنا ذلك لأن الأرض تربو حالة نزول الماء عليها وهي لا تنبت في تلك الحالة، فإذا انقطعت مادة السماء، وجفف الهواء رطوبة الماء خمد الربو وعادت الأرض إلى حالها من الاستواء وتشققت وأنبتت فصدر الآية تكافؤ وما قابله في عجزها طباق.
2- الإرداف:
وفيها مع هذين الفنين فن الارداف وهو كما ذكر قدامة في نقد الشعر أن يريد المتكلم معنى فلا يعبر عنه بلفظه الموضوع له ولا بلفظ الإشارة الدال على المعاني الكثيرة بل بلفظ هو ردف المعنى الخاص وتابعه قريب من لفظ المعنى الخاص قرب الرديف من الردف وقد تقدمت الإشارة إليه في هود، وهنا في هذه الآية عدل عن لفظي الحركة والسكون الحقيقيين إلى أردافهما من لفظي الهمود والاهتزاز لما في لفظي الارداف من الملاءمة للمعنى المراد لأن الهمود يراد به الموت، والأرض في حال عطلها من السقي والنبات موات فكان العدول إلى لفظ الهمود المعبر به عن الموت أولى من لفظ السكون والاهتزاز المجازي مشعر بالعطالة كاهتزاز الممدوح للمدح فلأجل ذلك عدل عن لفظ الحركة العام إلى لفظ الحركة الخاص لما يشعر أن الأرض ستعطي عند سقيها ما يرضي من نباتها بتنزل السقي لها منزلة ما يسرها فاهتزت لتشعر بالعطاء فقد ظهرت فائدة العدول إلى لفظ الارداف لما يعطيه من هذه المعاني التي لا يعطيها لفظ الحقيقة.
3- التهذيب:
وقد جاء نظم هذه الآية مع ما تضمن من التكافؤ والطباق والارداف والائتلاف منعوتا بالتهذيب لما فيه من حسن الترتيب حيث تقدم فيه لفظ الاهتزاز على لفظ الربو ولفظ الربو على الإنبات لأن الماء إذ نزل على الأرض فرق أجزاءها ودخل في خلالها، وتفريق أجزاء الجواهر الجمادية هو حركتها حالة تفرق الاتصال لأن انقسام الجوهر يدل على انتقال قسميه أو أحدهما عن حيزه ولا معنى للحركة إلا هذا.
فالاهتزاز يجب أن يذكر عقيب السقي كما جاء الربو بعد الاهتزاز فإن التراب إذا دخله الماء ارتفع بالنسبة إلى حاله قبل ذلك وهذا هو الربو بعينه وقد تقدم شرح كون الإنبات انما يكون بعد الربو وجفاف رطوبة الماء وعود التراب إلى حاله وتشققه فحصل التهذيب في نظم هذه الآية بحصول حسن الترتيب واقترن بذلك حسن النسق لتقدم كل ما يجب أن يكون معطوفا عليه على كل ما يجب أن يكون معطوفا.
4- المذهب الكلامي:
وفي قوله تعالى من أول سورة الحج إلى قوله: {وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} فن المذهب الكلامي ففي هذه الآيات خمس نتائج تستنتج من عشر مقدمات وسياقها مفصلة على الترتيب:
أ- قوله تعالى: {ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} ذلك لأنه قد ثبت عندنا بالخبر المتواتر أنه سبحانه أخبر بزلزلة الساعة معظما لها وذلك مقطوع بصحته لأنه خبر أخبر به من ثبت صدقه عمن ثبتت قدرته منقول إلينا بالتواتر فهو حق ولا يخبر بالحق عما سيكون إلا الحق فاللّه هو الحق.
ب- أخبر سبحانه أنه يحيي الموتى لأنه تعالى أخبر عن أهوال الساعة بما أخبر، وحصول فائدة هذا الخبر موقوفة على إحياء الموتى ليشاهدوا تلك الأهوال التي فعلها سبحانه من أجلهم وقد ثبت أنه قادر على كل شيء، ومن الأشياء إحياء الموتى فهو يحيي الموتى.
ج- وأخبر أنه على كل شيء قدير لأنه أخبر أنه من يتبع الشياطين ومن يجادل فيه بغير علم يذقه عذاب السعير ولا يقدر على ذلك إلا من هو على كل شيء قدير، فهو على كل شيء قدير.
د- وأخبر أن الساعة آتية لا ريب فيها، لأنه أخبر بالخبر الصادق أنه خلق الإنسان من تراب إلى قوله: {لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} وضرب سبحانه لذلك مثلا بالأرض الهامدة التي ينزل عليها الماء فتهتز وتربو وتنبت من كل زوج بهيج، ومن خلق الإنسان على ما أخبر به فأوجده بالخلق ثم أعدمه بالموت ثم يعيده بالبعث وأوجد الأرض بعد العدم فأحياها بالخلق ثم أماتها بالمحل ثم أحياها بالخصب، وصدق خبره في ذلك كله بدلالة الواقع الشاهد على المتوقع الغائب حتى انقلب الخبر عيانا صدق خبره.
ه- في الإتيان بالساعة ولا تأتي الساعة إلا ببعث من في القبور، إذ هي عبارة عن مدة تقوم فيها الأموات للمجازاة فالساعة آتية لا ريب فيها وهو سبحانه يبعث من في القبور.
5- المجاز:
في قوله تعالى: {وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} فقد أسند الإنبات للأرض وهو مجاز عقلي لأن المنبت في الحقيقة هو اللّه تعالى وقد تقدم القول غير مرة في المجاز ونزيد هنا أن المجاز خلاف الحقيقة والحقيقة فعيلة بمعنى مفعولة من أحق الأمر يحقه إذا أثبته أو من حققته إذا كنت على يقين وانما سمي خلاف المجاز بذلك لأنه شيء مثبت معلوم بالدلالة والمجاز مفعل من جاز الشيء يجوزه إذا تعداه فإذا عدل باللفظ عما يوجبه أصل اللغة وصف بأنه مجاز على أنهم جازوا به موضعه الأصلي أو جاز هو مكانه الذي وضع فيه أولا.
شرطا المجاز:
المجاز لا يكون إلا بشرطين:
أ- أن يكون اللفظ منقولا عن معنى وضع اللفظ بإزائه أولا وبهذا يتميز عن اللفظ المشترك وعن الكذب الذي ادعي فيه أنه مجاز.
ب- والشرط الثاني أن يكون النقل لمناسبة بين الأصل والفرع وعلاقته، ولأجل ذلك لا توصف الأعلام المنقولة بأنها مجاز مثال ذلك تسميتك رجلا بالحجر ويقال ان ذلك مجاز وان كنت نقلت اسم الحجر إلى الإنسان إلا أنه نقل لغير مناسبة إذ لا مناسبة بين حقيقة الحجر وحقيقة الإنسان ومتى تحقق هذان الشرطان في لفظ كان ذلك اللفظ مجازا.
قسما المجاز:
والمجاز مجازان: مجاز استعارة، ومجاز حذف. والأول قائم على التشبيه لأنها جعل الشيء للشيء للمبالغة في التشبيه كقولك لقيت أسدا، وأنت تعني أنك لقيت شجاعا ولَكِن ليس فيها نقل كما تقدم وسيأتي مزيد بسط لهذا البحث، فقوله تعالى: {وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} نقل الإنبات إلى الأرض وجعل خضرتها ونضرتها وتعاشيبها وتعاجيب ألوانها لها والحقيقة أن كل ذلك للّه.